الاثنين، 5 أكتوبر 2015

((( قصَدتُ باريس من طريق العراق )))) (مُحمد رشاد محمود)


Mohamed Rashad

قصَدتُ باريس من طريق العراق مُزمِعًا أن أستَقِلَّ القطار الدولي ، ثُمَّ حالت دونَ 

ذلكَ أحداثٌ جَبَهتني بحزب البَعث ، فاعتُقِلتُ في زمن البكر ونائبه صدَّام ، وبعدَ 

تقَلُّبي في عِدَّة معتقلات رأوا أن يُرَحِّلوني إلى سوريا ، فأكملَ بعثُها ما ابتدأهُ 

شطرُه بالعراق وقد كانَ يجثُمُ عليها الأسد الكبير ، فاعتقِلتُ بسجن القلعة ، وبعد 

لأي تمَّ ترحيلي إلى الأردن ، فدخَلتُها والشتاءُ ينفُخُ أولَ نُفاثِه الشَّبِم ، وقد آوَتني 

بها غُرفَةٌ في (مأدبا) لا تصدُّ بردًا ولا تمنَعُ زمهريرًا ، وإذا 
ا فُتِحَ بابُها أطَلَّت على هضبَةٍ تسُدُّ الأفق ، يَلُفُّها دَجنٌ كالِحٌ لا يَنفُذَ منه ضوء إلا أن يتسَنَّمها بدرٌ بوجهٍ في اصفراره كوجه المريض ، فكانت هذه القصيدة في أكتوبر من مطلع شتاء عام 1980 وكنت في السادسة والعشرين :
في ظلامِ اللَّيـــــلِ يَنهَــــــــلُّ المَطَـرْ
تَنـعَـــــقُ البُـــــــومُ وَيَصفَــرُّ الـقَمَـــرْ
ويَئِـــــــزُّ الــــرَّعـدُ في جَـوفِ الفَــضا
لاجِمًــــــا بالـــــرِّيحِ أعطـافَ الشَّجَـرْ
هَـــكذا حالي وذا قلــــبي الكَئيـــبْ
لا أرَى في غُـربَتي لي مِنْ حَبيــــبْ
مَوطِنــِــي نـَـــــــاءٍ وأهـــلي وهَـوًى
كانَ فيـهِ العُمـْـــرَ لي طِبٌّ وَطِيــــبْ
غاضَ مِنـهُ الخَفْضُ والبِــــشْرُ مَعَــــا
كَيــــْـفَ لا يَغلي ويَكــوي الأضْلُـــعــا
كُلَّمـَـــــــا جَرَّعْتُـــــهُ كـــأسَ الــرِّضَا
غصَّ حتَّى كَــــــــادَ أنْ يَنْـصَدِعَــــــا
مُوحشٌ كالقَبـْـــرِ لا نَـجـوَى بِــــــــهِ
أو كَـلَيــــْـــــلٍ فـارَقتــْـــــهُ الأنْــجُـمُ
وَفَـــــــلاةٍ غـابَ عَنهَــــــــا عُشبُهــا
وتَـــلافَـاهَــــــا الغُـرَابُ الأسْحَــــــمُ
يَطلُبُ السَّــــــرَّاءَ والعَيْــشَ الهَـنِـيّ
كَيـْــــفَ يَجني الرَّوْمَ والضَّـــــرَّاءُ فِيّ
تَــمْسَخُ الأنغـَـــامَ نَـــــوْحًا وشَجًـى
وتَرَى الأشْواكَ في الــــرَّوْضِ النَّـدِيّ
صُمَّتِ الحَوْبَـــــاءُ يـَـــــا طَيْـــــرُ فَــلا
تَسكُبِ الألحَانَ لا يُجْــــدِي الطَّــرَبْ
واستَــطالَ الكَـــربُ لا تُفضي شَذًى
لِلــــــرُّبــا يـَـا زَهـــرُ واهوِي لِلحَطَبْ
كُــــلُّ مَـــا كــانَتْ تَشَهَّــــاهُ المُنَـى
شَوَّهَتــْـــهُ الـيَــــوْمَ كَـــــفُّ المِحَـنِ
إِنْ غَفَــتْ بالصَّبـْـــرِ جَمْراتُ الجَـــوَى
أيْقَظَ الجَمْــــرَاتِ كَـــــــرُّ الـــزَّمَـــــنِ
ضِقتُ بالشِّقْــوَةِ والجُلَّـــــى يَــــــدا
لَيْتَ شِعْــــري مـــا تُرَى بَعْـدَ الرَّدَى
مِثلُـهَـــــــا أمْ غِبـْـــطَةٌ تَغتَــــــالُهــا
لَهـْـــفَ نَـفـْـسي لَو تُلَقَّاهَــــا غَـــدَا
(مُحمد رشاد محمود)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق